وقال العلامة السيد فضل الله في خطبتي صلاة الجمعة اليوم من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك, "تتجه أنظار العالم بأسره نحو المنطقة العربية التي يستمر الزلزال الشعبي بهزها، فيما يشير الكثيرون إلى تشكل جديد للواقع العربي والإسلامي على ضوء هذه النهضة الشعبية والشبابية المباركة".
واضاف:" وفيما بدأت أنظمة أخرى تسير في الخط الأميركي تتحسس رؤوسها، وتتوجس خيفة من أن تصل شرارات تونس ومصر وليبيا إليها، وفيما تعيش أنظمة أخرى هواجس حركة الشارع التي انطلقت في أكثر من موقع، وأظهرت أنموذجا عربيا وإسلاميا ثائرا بدأت اللعبة الدولية تتكشف أكثر، وخصوصا من خلال المشهد الليبي، حيث بدأ الغرب يتطلع للدخول على الخط، ويعمل للالتفاف على هذه الثورة بطريقة أو بأخرى. ولقد كان واضحا منذ البداية، أن الإدارات الغربية، وعلى رأسها الإدارة الأميركية، تبحث عن مصالحها واستثماراتها، وتتخوف من أن لا يكون البديل في هذا البلد العربي أو ذاك، شريكا لها أو متواطئا معها، وهو ما برز في المشهد الليبي، فهي عندما رأت أن الواقع الجديد لن يكون كما تشتهي، استمر رهانها على الطاغية، ولكنها عندما رأته يترنح، حركت قطعا من أسطولها البحري، وبدأت الحديث عن فرض حظر جوي، للالتفاف على حركة الشعب الليبي من جهة، ولرصد إمكانات الاستثمار الميداني والدخول إلى مناطق النفط من نافذة الحرص المخادع على شعوبنا التي لم تعد الأمور تنطلي عليها".
وتابع:"إننا نشعر بكثير من الاعتزاز حيال المواقف التي انطلقت من حركة الشباب التي أطلقت هذه الثورات، وخصوصا في ليبيا، والتي رفضت ـ بشكل حاسم ـ التدخل الغربي، مؤكدة أنها تستطيع بنفسها تغيير الوضع القائم، وإسقاط النظام الطاغي، بعيدا عن كل الألاعيب ومحاولات الوصاية الدولية القاتلة. ونحن نؤكد على كل هذه الطليعة التي أنتجت لنا عالما عربيا جديدا، أو نهضة إسلامية ووطنية كبرى، أن تستمر في هذا الخط، لتغلق المنافذ على كل اللصوص الدوليين، ولتمنع محاور الاستكبار من مصادرة هذا الفعل الشعبي الطاهر، وقد عرفت شعوبنا في التجارب الماضية الكثيرة، كيف استطاع الاستعمار والاستكبار أن يعيد صياغة المنطقة لحسابه بعد مرحلة الاحتلال تحت عنوان الانتداب، وصولا إلى الوصايات التي أدخلتنا في مراحل حكم الديكتاتوريات، والتي عملت على تجيير قرارات الدول وثروات الشعوب لحساب اللاعبين الكبار وناهبي خيرات المنطقة كلها".
واشارالى "ان هذه الثورات استطاعت أن تضع القطار على السكة الصحيحة، ليدرك المستكبر الغربي أن مساحة النهب أمام حركته الرأسمالية قد تقلصت، وأن المنطقة لن تكون في المستقبل كما كانت من قبل، وأن الأرض العربية والإسلامية لم تعد بقرة حلوبا لحسابه وحساب مصالحه وأطماعه. ولكن هذا الأمر لن يكون سهلا، فهو يحتاج إلى مزيد من الوعي، كي لا تضيع كل هذه الجهود في التناقضات الداخلية، وهو ما يستدعي كل القوى الثورية والتحررية، والتنسيق فيما بينها لتشكيل جبهة واسعة لطلاب الحرية في مواجهة جبهة المستكبرين".
واضاف:"ولكن المسألة التي تفرض نفسها على مواقع الثورة المتعددة، وخصوصا في مصر وتونس وليبيا، تتمثل في أن تعمل لتوحيد جهودها بعد الانتهاء من هذه المرحلة الانتقالية، في عملية تنسيق كبرى لتحرير الأمة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وما إلى ذلك".
وتابع:" أما العدو الصهيوني، الذي يواصل جرائمه في فلسطين المحتلة وقطاع غزة، في عدوانه المباشر على الفلسطينيين، وغاراته المتواصلة على المدنيين، كما يحصل في غزة بين يوم وآخر، وفي عدوان مستوطنيه على بساتين الفلسطينيين وقطع مئات الأشجار، كما حدث في الخليل قبل أيام، وفي تصعيده لوتيرة زحفه الاستيطاني، فإن عليه أن يشعر بالخوف، وهو يشعر بذلك فعلا، وبدأ يتحدث عبر وسائل إعلامه أن سقوط الطبقة السياسية العربية التي كانت تؤمن له الملاذ والمخرج، وتنسق معه بطريقة وأخرى، هو مؤشر إلى أن شرارات الثورات والانتفاضات العربية سوف تصل إليه عاجلا أو آجلا، ونحن ننتظر من هذه الصحوات أن تقول كلمتها صريحة وواضحة فيما يتصل بالمسألة الفلسطينية، بعد أن يصفو لها الجو في الداخل".
وتطرق الى الوضع في لبنان، وقال:"اما في لبنان، فقد كنا ننتظر أن تنطلق أصوات جميع الفرقاء، لتنضم إلى أصوات الشباب الذين دعوا إلى إسقاط النظام الطائفي. والطائفية كما نؤكد، وكما كان يقول سماحة السيد (رضوان الله تعالى عليه)، ليست دينا، بل هي تجمع عشائري لمن ينتمي إلى هذه الطائفة أو تلك، وقد لا يفهم من أمر مبادئها وقيمها شيئا. ونحن نعتقد أن هذا النظام هو المسؤول عن معظم حالات الضعف، وعن مختلف الأزمات التي تلاحق البلد منذ انطلق تحت عنوان لبنان الكبير، ليبقى صغيرا في صيغته الطائفية المذهبية التي جعلته رهينة للوصايات الخارجية، وأبقته سجينا في لعبة الأمم، وتركته مشرعا للعدو الغاصب، يستبيح أرضه وسماءه وبحره ساعة شاء".
واضاف:" إننا نريد أن نقول للبنانيين أن يخرجوا من هذه الكهوف والمغاور الطائفية والمذهبية، ليفكروا في قيم الطوائف والمذاهب، كما أن علينا أن لا نتنازل عن مبادئ العزة والحرية التي لا يمكن التنازل عنها، فإن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا.. ولذا نقول للذين ينطقون باسم المسلمين والمسيحيين، إن من مسؤوليتكم أن تحفظوا سلاح المقاومة، لأنه هو سلاح العزة والحرية، فلا توجهوا السهام إليه..وعلى كل الذين يتحدثون عن سلاح المقاومة، أن يعرفوا أن مشكلة البلد ليست بهذا السلاح، وأن هذه السلاح ليس سلاح طائفة أو حزب، إنه سلاح العزة في مواجهة العدو الذي لا يتوانى عن تجهيز نفسه بكل الترسانات القاتلة، تمهيدا للانقضاض على البلد عند أية فرصة سانحة، وأن هذا السلاح سيبقى يمثل مشكلة للعدو، ويثير حفيظة الأميركيين الساعين لطمأنة العدو، والراغبين بإبقاء لبنان تحت وطأة الاحتلال والعدوان بين مرحلة وأخرى".
وقال اننا "نلتقي بعد أيام بذكرى مجزرة بئر العبد، هذه المجزرة الوحشية التي أظهرت كل الدلائل، إضافة إلى الاعترافات الأميركية التي نشرت في "الواشنطن بوست"، أو التي كشفها الصحافي الأميركي "بوب وودورد" في كتابه "الحجاب"، أن المخابرات المركزية الأميركية هي التي خططت لها، بهدف اغتيال المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، "لأنه أصبح مزعجا للسياسة الأميركية وعليه أن يرحل"، كما نقل "وودورد" عن مدير المخابرات الأميركية في وقتها "ويليام كايسي".
وختم:" اننا عندما نستذكر هذه المجزرة الرهيبة التي سقط فيها اثر من 300 طفل وامرأة وشاب وشيخ بين قتيل وجريح، نريد للجميع أن يعرفوا أن أميركا التي تتحدث عن الإرهاب وعن مكافحته، هي المصدر الرئيسي له، وهي التي تمارسه بطريقة مباشرة وغير مباشرة.وعلينا جميعا عندما نستعيد هذا التاريخ، بكل آلامه، أن نستعيد تلك القيادة الكبرى التي ساهمت مع الطليعة الواعية في صناعة كل هذه المرحلة، والتي نقطف ثمارها لا في لبنان فحسب، بل على مستوى الأمة كلها، حيث انطلقت الانتصارات بعد كل هذه الجراحات، فلا يمكن تزوير التاريخ، كما أن المسؤولية تقع على عاتق الأجيال كلها في احترام إنجازات الماضي، وحماية كل عناصر القوة في المستقبل"./انتهى/
رمز الخبر 1266658
تعليقك